السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عاى محمدوعلى
آله وصحبه اجمعين
اما بعد
من الأقوال المشهورة للشيخ الفاضل الشيخ كشك رحمه الله قوله: "أننا دعونا الله
بإمام عادل فطلع لنا عادل إمام"، واعتبرها البعض طرفة فضحك لها الكثيرون، ولكنها
حقيقة عبر عنها الشيخ بطريقته اللاذعة، فالأمنيات الطيبة لا تصنع واقعا طيبا
والواقع يفرض نفسه إن لم يتم تغييره بعمل ملموس، وذلك تصديقاً لقول الحق تبارك
وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ} mes New Roman]].
ومما يستوقفني في ذلك رؤية
الملايين تدعو في وقفة عرفة وخلف إمام الحرم والأئمة في كل مكان في ليلة السابع
والعشرين تدعو بحكم عادل وإمام عادل ومع ذلك لا يرزقنا الله بإمام عادل وتصدق مقولة
الشيخ نجد عادل إمام، ومكمن المشكلة في عدة نقاط:
1- عدم
استجابة الله للدعاء.
2-
واقع الناس من ابتعاد عن كتاب الله وسنة
نبيه.
3-
ابتلاء الله لنا بعملنا.
وعدم استجابة الدعاء يفسره العالم الزاهد إبراهيم بن أدهم تفسير يفضح
ويكشف واقعنا حين سئل إبراهيم بن ادهم رحمه الله عليه: ما بالنا ندعو ولا يستجاب
لنا؟
قال:ماتت قلوبكم من عشرة أشياء:
عرفتم
الله ولم تؤدوا حقه.
عرفتم النار ولم تهربوا
منها.
عرفتم كتاب الله ولم تعملوا به.
تدفنون
موتاكم ولا تعتبرون.
انشغلتم بعيوب غيركم وتركتم عيوب
أنفسكم.
عرفتم الجنة ولم تعملوا لها.
عرفتم أن الموت حق ولم تستعدوا
له.
ادعيتم عداوة الشيطان وواليتموه.
تأكلون
رزق الله ولا تشكرونه.
أدعيتم محبه الرسول صلى الله عليه
وسلم وتركتم سنته وأثره.
وأعتقد لو عاش ابن أدهم في زماننا
لذكر مائة ألف سبب لعدم استجابة الدعاء وليس عشرة فقط، فواقع الناس فسد لأسباب
كثيرة منها ضعف وهوان بعض الدعاة في الدعوة إلى الله والقيام لله بما أمر فانتشر
الوهن بين الناس لانتشاره في القدوة والنموذج.
أما
ابتلاء الله لنا بواقعنا السيئ فكما قال الشيخ: "طلع لنا عادل إمام" فهو يدل على
بصيرة من عند الله للشيخ الذي استغل رمزية اسم ممثل هزلي ليدلنا على واقعنا من خلال
الرمز، فواقعنا فيه كوميديا سوداء يفتعلها المستبدون بهزلية واضحة، فهم يظلمون
ويستبدون ويزوّرون ويتحدثون عن العدل والنزاهة وهو تحقيقاً لقاعدة الاستخفاف التي
ذكرها الله في قوله: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا
قَوْمًا فَاسِقِينَ} Times New Roman]].
ومن هنا أتوقف مع نقطة مهمة
في واقعنا الدعوى ألا وهى أين الدعاة الذين يملئون الشاشات بالبرامج مما حدث من ظلم
في انتخابات مجلس الشعب وفساد في كل مناحي الحياة ولعل بعضهم يتعلل أنه يرفض
الانتخابات، ولكنى أقول له وهل تقبل الظلم وهل تقبل تزوير إرادة شعب وهل تقبل أن
ينتشر الفساد ويتولى أمرك فاسدون ومستبدون يشرعون من دون الله.
أعتقد أن هؤلاء طاب لهم التعلل برفض الانتخابات وقولبة الدعوة في العظات
والعبادات ليهربوا من مواجهة الظلم والفساد كي تطيب لهم معيشتهم الهنية في السكوت
عن الظالمين رغم أن الظلم والفساد يطول الجميع.
وأسترجع ما حدث في الشهور الأخيرة وأتذكّر الشيخ العملاق كشك رحمه الله
وأقول: أين صوت أسد الدعوة أمام طغيان الكنيسة ومشكلة الأسيرات المسلمات من وفاء
إلى كاميليا شحاتة؟ والله إن الشيخ كشك رحمه الله كان لوحده أمة ترتعد الكنيسة
والفاسدين والمستبدين من كلمة الحق التي يجهر بها فتزلزل أركان كل ظالم.
وتتوق نفسي إليه فأتلفت أبحث عنه وأقول لنفسي والله الذي لا إله إلا هو
لو كان حياً بيننا الآن لكان صوته قوياً عالياً مرتفعاً في جنبات مصر كلها وليس
مسجد عين الحياة قائلاً: لا للظلم لا لتزوير إرادة الشعب، لا للفساد لا للاستبداد،
لا لتضييع هوية مصر الإسلامية.
لكنى أتذكر أنه في يوم السادس من
ديسمبر 1996 سقطت شجرة عظيمة من أشجار الدعوة الإسلامية القوية المثمرة المزهرة
التي استظل بها ملايين المسلمين في العالم ينعمون بكل خير ونسمات الدعوة في ظلها،
فقد توفى في هذا اليوم إلى رحمة الله الشيخ الداعية الفاضل عملاق الدعوة الشيخ عبد
الحميد كشك رحمه الله حيث توضأ الشيخ كشك في بيته لصلاة الجمعة وكان يتنفّل بركعتين
قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل في الصلاة وفى السجدة الثانية لقى ربه.
نعم فرحمه الله رحمة واسعة لم يكن يتردد في كلمة الحق ولو كان أول
المتهمين في نيابة أمن الدولة، فحساباته كانت مع الله وليس مع الدنيا ماذا يكسب
وماذا يخسر منها، لذلك اعتقله الرئيس عبد الناصر عام 1965 وظل بالمعتقل لمدة عامين
ونصف العام، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة، ورغم ذلك خرج ثابتاً
على العهد وفياً للداعية الأول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في صدق الدعوة ولم
ينافق أو يجامل وظل ينتقد مفاسد الدولة بكل ما يستطيع فكان حُجة على غيره من
الدعاة.
وضاق السادات من كلمة الحق
التي يجهر بها فاعتقله في عام ١٩٨١ ضمن اعتقالات سبتمبر الشهيرة وقُتل السادات
بعدها بشهر، وأُفرج عنه عام ١٩٨٢ ولكن لم يعد إلى مسجده الذي مُنع منه ومن الخطابة
فيه، ومع ذلك لم يتوقف عن الدعوة إلى الله سواء بالرد على الفتاوى أو التماس كل
نافذة للدعوة ونشر كتبه، وكان من أكبر الموقف الدعوية له وسجلها التاريخ له بأحرف
من نور هو رفضه المساومة على عودته للخطابة والدعوة مقابل ألا يأمر الدولة بالمعروف
وينهاها عن المنكر، وظل ثابتاً كالشجرة العملاقة لم ينخر فيها سوس الدنيا وظلت
أوراقه الدعوية ورّّاقة مثمرة.
لكن وإن مات الشيخ كشك فما زالت
ثمار دعوته وصدقه لم يسقط خيرها المثمر، ليس فقط من تسجيلات وكتب ولكن من مواقف
ثبات دعوية نصر بها الإسلام والمسلمين ولم يتزحزح عن موقفه فكان حجة على غيره من
الدعاة المبصرين الذين يتزحزحون عن مواقف الثبات الدعوى من أقل الفتن
والاختبارات.
رحم الله الشيخ الفاضل الكريم الذي
علَّمني وعلم الملايين كيف تكون نصرة الدين وجمعني الله وإياه مع الحبيب محمد صلى
الله عليه وسلم وصاحبيه الصديق والفاروق في الفردوس الأعلى.